العلاج باللعب: أساليبه، وأنواعه، وأدواته.
"يستخدم الأطفال اللعب كالكلمات، واللعب هو لغتهم" (جاري لاندريث ). نظرا لأهمية اللعب للأطفال يسلط هذا المقال على العلاج باللعب: أساليبه، وأنواعه، وأدواته.
أولاً: مفهوم العلاج باللعب
العلاج باللعب هو شكل من أشكال الإرشاد الذي ينطوي على استخدام التواصل الإبداعي والتعبيري. واللعب وسيلة الطفل الطبيعية للتعبير عن الذات. ومن خلال اللعب العلاجي، يمكن التعرف على مشاعر الأطفال، وفهم العالم الذي يعيشون فيه. عندما يواجه الأطفال أحداثًا مزعجة تضطرب مشاعرهم، ويزداد قلقهم وخوف أسرهم عليهم. يوفر العلاج باللعب بيئة آمنة؛ حيث يستطيع المعالج المؤهل، والمتعاطف فهم الطفل من خلال اللعب والسلوك ووسائل التواصل الأخرى. تسمح علاقة الثقة بين الطفل والمعالج للطفل في أن يكون على طبيعته وأن يعبر عن صراعاته وأفراحه الداخلية وتعزيز الأمل في المستقبل وإطلاق العنان لنمو والشفاء الذاتي.
والعلاج باللعب هو وسيلة فعالة لتلبية احتياجات الصحة النفسية للطفل، وهو علاج متفق عليه من قبل الخبراء كتدخل فعال ومناسب في معالجة نمو وتطور دماغه. يتم استخدامه عادةً مع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين( 3 و 11) عامًا. يوفر العلاج باللعب طريقة مناسبة لتعبير الأطفال عن تجاربهم، وعواطفهم من خلال عملية طبيعية ذاتية التوجيه تساعدهم على للشفاء الذاتي.
و وفقاً لجان بياجيه العلاج باللعب يعد أداة مهمة؛ إذ " تزود اللعبة الطفل بلغة خاصة وحيوية لا غنى له عنها في التعبير عن مشاعره الخاصة، والتي لا تكفيها فقط اللغة الجماعية( العامة)". يعزز العلاج باللعب لدى الطفل الشعور بالقيمة والقدرة والإتقان. أثناء اللعب، يتم إرشاد الأطفال لاستكشاف بيئتهم وتلبية احتياجاتهم الخاصة. كما يساهم اللعب في تنمية التفكير الإبداعي. ويسمح للأطفال بالاسترخاء لإطلاق عواطفهم ومشاعرهم القوية. وفي اللعب يستطيع الأطفال تجزئة تجارب الحياة غير المرغوب فيها إلى أجزاء أصغر، وإفراغ الحالات العاطفية أو الأطر الذهنية، ودمج كل تجربة جديدة في إطار فهمهم الخاص، واكتساب مستوى فهم أعلى وبدرجة أكبر.
أهمية العلاج باللعب
يعد العلاج باللعب نوع من الإرشاد و العلاج النفسي يستخدم للتواصل ومساعدة الناس، وخاصة الأطفال من أجل منع و حل المشكلات النفسية، والاجتماعية من خلال اللعب. ومن أهم الأدوار التي يقوم بها العلاج باللعب بالنسبة للطفل ما يلي:
- المساهمة في تقليل العدوانية.
- تعزيز النمو العاطفي.
- تنمية المهارات الاجتماعية.
- تنمية شعور التعاطف.
- يسهم في حل وعلاج الصدمات.
- يعزز الشعور بالكفاءة الذاتية.
- ينمي مهارات التوافق النفسي السليم.
- المساهمة في تقليل العدوانية.
يرصد المعالج أو المرشد النفسي التفاعل الحاصل بين الطفل وبين اللعبة، ويحدد أنماط اللعب من أجل معرفة ما وراء السلوك المشكل أو المزعج، وفهم الأساس المنطقي الكامن وراء السلوك داخل وخارج جلسة العلاج. وهنا يجب التأكيد على ضرورة توخي الحذر عند استخدام العلاج باللعب لأغراض التقييم و / أو التشخيص.
إن من بعض الألعاب التي يقررها المرشد أو المعالج النفسي قد تتضمن على سبيل المثال (بيوت اللعب، والحيوانات الأليفة، والدمى، العب بالرمال، الشطرنج، الغميضة، ألعاب LEGO، وما إلى ذلك). إن اللعبة المستخدمة في جلسة العلاج تعتمد بشكل أساسي على حاجة الطفل، وأنواع الألعاب التي يفضلها. وعندما يتم بناء علاقة الثقة بين المرشد والطفل، وعندما يصبح الطفل أكثر راحة في غرفة اللعب، يمكن أن يقدم المرشد أنشطة لعب محددة تستهدف على وجه الخصوص، المشكلات التي يعاني منها الطفل. وعادة ما تتراوح المدة النموذجية لجلسة العلاج باللعب ما بين (30 إلى 45) دقيقة. ومن الضروري أثناء جلسة العلاج باللعب، أن يوفر المعالج للطفل بيئة مريحة وآمنة. وأن يراقب بدقة التفاعلات التي يوفرها لعب الطفل.
ووفقًا لوجهة النظر الديناميكية النفسية، فإن الناس (وخاصة الأطفال) ينخرطون في سلوك اللعب من أجل تخفيف الاضطرابات الداخلية والقلق. ووفق هذا المنظور الخاص، يمكن استخدام العلاج باللعب كآلية للمساعدة الذاتية خاصةً عندما يتم منح الأطفال وقتًا "للعب الحر" أو "اللعب غير الموجه".
مراجعة لتاريخ العلاج باللعب
تطور العلاج باللعب الفترة بين (1712- 1919)
في القرن الثامن عشر كتب روسو (1712-1778) في كتابه Emile: من المهم التأكيد على أن اللعب أداة لتعليم الأطفال وفهمهم. أكد فريدريش فروبيل أهمية الرمزية في اللعب في كتابه تعليم الإنسان (1903). "اللعب هو أعلى تطور في الطفولة، لأنه وحده هو التعبير الحر لما في داخل الطفل ... لعب الأطفال ليس مجرد رياضة. إنه مليء بالمعاني والتعابير".
ومن الجدير بالذكر أن أول عملية علاج باللعب تم توثيقها في عام 1909؛ حيث نشر سيغموند فرويد عمله مع صبيًا في الخامسة من عمره كان يعاني من رهاب بسيط. رآه فرويد لفترة وجيزة واقترح أن يقوم والده برصد لعبه من أجل أخذ رؤى وتصورات قد تساعد في علاج الصبي.
وفي عام (1919) قامت هيرمين هوغ هيلموث بإضفاء الطابع الرسمي على عملية العلاج باللعب من خلال توفير مواد اللعب للأطفال للتعبير عن أنفسهم، والتأكيد على استخدام اللعب من أجل تحليل سلوك الطفل.
تطور العلاج باللعب الفترة بين (1955- 1970)
بدأت ميلاني كلاين (1955) في تطبيق تقنية استخدام اللعب كأداة لتحليل سلوك الأطفال دون سن السادسة. كان يعتقد أن لعب الأطفال هو في الأساس كالتعبير الحر المستخدم لدى البالغين، وبالتالي كان من المفترض أن يوفر الوصول إلى الشعور اللاوعي لدى الطفل.
استخدمت آنا فرويد (1946، 1965) اللعب كأداة لتسهيل البكاء الإيجابي للمعالج (الشدة الإيجابية) من أجل الوصول إلى حياة الطفل الداخلية. ركز أسلوبها على نهج منظم يُسمح للطفل الذي يعاني من موقف مرهق معين بالانخراط في اللعب الحر. ثم بعد ذلك، يحضر المعالج مواد اللعب المتعلقة بالموقف المحفز للاضطراب، والتي تسمح للطفل بإعادة تمثيل الحدث الصادم، وإطلاق المشاعر المرتبطة به.
في عام 1955، توسع جوف هامبيدج في عمل ليفي، مشددًا على نموذج "العلاج باللعب المنظم" الذي يعرف بالعلاج المباشر أيضاً. ومن المعروف أن في هذا النهج يكون اللعب بحرية من أجل بناء العلاقات، وإعادة خلق الموقف المجهد، وتفاعل الحالة في اللعب ثم التعافي.
وطور جيسي تافت (1933) وفريدريك ألين (1934) نهجًا برروا فيه العلاج بالعلاقة. يتم التركيز بشكل أساسي على العلاقة العاطفية بين المعالج والطفل. ينصب التركيز على حرية الطفل وقوته في الاختيار. بينما قام كارل روجرز (1942) بتوسيع عمل المعالج القائم العلاقة، وطور العلاج غير التوجيهي، والذي سمي فيما بعد بالعلاج المرتكز على العميل.وتوسعت فرجينيا أكسلين (1950) في مفاهيم المرشد. إذ لخصت أكسلين مفهوم العلاج باللعب في مقالتها "دخول عالم الطفل من خلال تجارب اللعب". وكتبت أكسلين أيضًا كتاب Dibs in Self، الذي يصف سلسلة من جلسات العلاج باللعب والتي أجريت على مدار عام.
وفي عام 1953، كتب كلارك موستاكاس كتابه الأول حول العلاج باللعب للأطفال. وفي عام 1956، جمع كتاب "نشر الذات" والذي هو نتيجة للحوارات التي دارت بين أبراهام ماسلو وكارل روجرز وآخرين، والتي شكلت حركة علم النفس الإنساني، وقد طوره فيما بعد برنارد ولويز غيرني. لقد شهد علاج الأطفال باللعب ابتكارًا جديدًا في فترة الستينيات؛ إذ شدد الإرشاد الزواجي على ضرورة إعطاء برنامج تعليمي منظم للآباء يتعلمون فيه كيفية استخدام جلسات اللعب المرتكزة على الطفل في المنزل. وفي الستينيات أيضا، ومع ظهور المرشدين التربويين، شهد العلاج باللعب في المدرسة تحولًا كبيرًا. وبدأت ويتر لاند Waterland (1970)، على وجه التحديد، في تقديم مساهمة مهمة لاستخدام العلاج باللعب كأداة تعليمية ووقائية للأطفال.
أنواع العلاج بالعب
- العلاج باللعب غير الموجه: تم تصنيفه بشكل عام على أنه علاج ديناميكي. وهو طريقة غير مباشرة يتم فيها تشجيع الأطفال على حل مشاكلهم بأنفسهم من خلال اللعب الحر.
- العلاج باللعب الموجه: على النقيض من العلاج باللعب غير الموجه، فإن علاج باللعب الموجه هو طريقة تشمل الإثارة والإرشاد من قبل المعالج حيث يتم التركيز على الأطفال عاطفياً وسلوكياً من خلال اللعب. وعادة ما يشمل مكونًا سلوكيًا. وتتضمن العملية التنظيم والتوجيه من قبل المعالج. ومن المرجح أن يتم تصنيف علاج اللعب الموجه كعلاج سلوكي إدراكي.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق